جنبلاط يعود إلى ترشيحه الأول

الجمهورية
  فيما تترقّب الأوساط نتائجَ لقاء الفاتيكان غداً السبت بين البابا فرنسيس والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، يبقى المشهد الرئاسي أسيرَ الغموض، ويتجاذب سباقَه المرشّحان: رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس تيار«المردة» النائب سليمان فرنجية الذي نفى المعلومات التي تتحدّث عن زيارته للفاتيكان، فيما استحضَر رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط مجدّداً مرشّحَ «الاعتدال والحوار» النائب هنري حلو، مُعيدَه بذلك إلى سباق الترشيح الرئاسي، بعدما رحّبَ بالتقارب الحاصل بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، وثمَّنَ خطوةَ ترشيح فرنجية «في اعتبارها تشَكّل مخرجاً من الأزمة». وبينما رأى وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ «قلّة الكلام أكثر إفادة»، ظلّ «حزب الله» معتصماً بالصمت ومؤاثِراً التريّث، بدليل عدم اجتماع كتلة «الوفاء للمقاومة» أمس. أمّا حزب الكتائب فينتظر أن يتبلور موقفه مساء اليوم.
إستبعدت مصادر ديبلوماسية حصول أيّ تطوّر إيجابي سريع في الاستحقاق الرئاسي، مؤكدةً أنّه بات يرتبط عميقاً بمستقبل الأوضاع الجارية في المنطقة وخصوصاً بالوضع السوري، وتخوّفَت من أن تتحوّل المبادرات المطروحة عمليةَ حرقٍ لبعض الترشيحات المتداولة، لأنه لم يظهر في الأفق الإقليمي أيّ معطى يشَجّع على انتخاب رئيس للبنان في هذه المرحلة. وتوقّعَت أن لا يُقارب هذا الملف قبل تبلوُر معالم الحلّ السوري على الأقلّ.

وفي هذا السياق، قالت مصادر متابعة للاستحقاق لـ«الجمهورية» أنّ ما يجري حاليّاً هو بمثابة جوجلة مواقف وعدم مقاربة ايّ حسم فيها بحيث انّ كلّ طرف يتمسك بموقفه حتى إشعار آخر، ففي الوقت الذي يتمسك عون بترشيحه وقد ازداد بعد تبنّي جعجع ترشيحه، فإنّ فرنجية في المقابل يؤكد انّه مستمر في ترشيحه بلهجة غير قابلة للتأويل، وقيل إنّه يدعو للنزول الى جلسة الانتخاب متنافساً فيها مع عون بشرط ان ينسحب له الاخير في دورة الاقتراع الثانية في حال لم ينَل الاكثرية المطلقة في دورة الاقتراع الأولى.

ولاحظت هذه المصادر أنْ ليس لدى أيّ طرف خطة بديلة عمّا هو مطروح، ولذلك ينصرف كل منهم الى مراجعة حساباته وإعادة النظر في مواقفه وتحالفاته، خصوصاً أنّ شيئاً لم يتغيّر في الوضع الاقليمي ولا في المعطيات الداخلية، ما يعطي انطباعاً أنّ الشغور الرئاسي طويل، لكنّ اللافت هذه المرّة أنّ المواقف بدأ يشوبها تصَلّب وتشنّج على كلّ المستويات.

تكثّفَت المشاورات الرئاسية على خط عين التينة، فزارَها وفدٌ من «تيار المستقبل» ضمّ وزير الداخلية نهاد المشنوق ومستشار الرئيس سعد الحريري نادر الحريري. وعرضَ الوفد مع رئيس مجلس النواب نبيه بري المستجدّات الرئاسية في حضور وزير المال علي حسن خليل. واكتفى المشنوق بعد اللقاء بالقول: «قلّة الكلام أكثر إفادة».

وقالت مصادر في «المستقبل» لـ«الجمهورية» إنّ الوفد نَقل الى بري رسالة من الرئيس سعد الحريري، تحدّثت عن نظرته الى التطورات الأخيرة والنتائج المترتبة عليها، كما يراها، ولا سيّما تلك التي تمّ التوصّل اليها في سلسلة المشاورات التي أجراها وتوّجت بلقاء قيادة «التيار» في الرياض.

وتُنبّه الرسالة من خطورة الإنزلاق الى مرحلة تكرّس فيها المعادلات الجديدة المحتملة ما يمكن اعتباره خروجاً على ميثاقية جلسة الانتخاب، كأن يستغيب البعض مكوّناً أساسياً يجري تطويقه بالتحالفات الجديدة.

«اللقاء الديموقراطي»

وكان النائب وليد جنبلاط ترَأس اجتماعاً لـ«اللقاء الديموقراطي» بعيداً من الإعلام في كليمنصو بحضور نجلِه تيمور وأعضاء اللقاء: وزير الزراعة أكرم شهيب، وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، والنواب: هنري حلو، مروان حمادة، نعمة طعمة، أنطوان سعد، إيلي عون، فؤاد السعد، غازي العريضي، علاء الدين ترّو. وحضر نائب رئيس الحزب التقدمي دريد ياغي وأمين السر العام ظافر ناصر ومفوّض الإعلام رامي الريّس.

ورحّبَ «اللقاء» بالتقارب الحاصل بين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» معتبراً أنّ «المصالحة المسيحية - المسيحية هي خطوة مهمة على مستوى تعزيز مناخات التفاهم الوطني، وهي تستكمل المصالحة التاريخية التي حصلت في الجبل سنة 2001 وطوَت صفحة أليمة من صفحات الحرب الأهلية».

غير أنّ «اللقاء» أكّد الاستمرار في ترشيح حلو «الذي يمثّل خطّ الاعتدال ونهجَ الحوار». وثمّنَ خطوة ترشيح فرنجية « في اعتبارها تشكّل مخرجاً من الأزمة»، ورأى في الوقت نفسه «أنّ الترشيح الحاصل من قبَل العماد ميشال عون يلتقي أيضاً مع المواصفات التي تمّ الاتفاق عليها في هيئة الحوار الوطني التي يديرها الرئيس نبيه بري، مع التأكيد أنّ هذه المواصفات لا تلغي دورَ المعتدلين في الحياة السياسية اللبنانية».

وذكّرَ اللقاء بأنه «رحّبَ ويرحّب بأيّ خطوة من شأنها أن تحرّك النقاش في الاستحقاق الرئاسي الذي يبقى إنجازُه مدخلاً رئيسياً لإعادة الإنتظام لعمل المؤسسات الدستورية ويفسِح المجال للالتفات إلى الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية المتفاقمة التي تهمّ اللبنانيين جميعاً».

وأعلنَ اللقاء «إجتماعاته متواصلة لمواكبة النقاش السياسي الحاصل» و»اتّصالاته مستمرّة مع كل الكتل النيابية للخروج من المأزق الراهن».
وعلمَت «الجمهورية» انّ مسوّدة بيان «اللقاء» خضَعت للقراءة والتنقيح والتعديل مرّات عدة .

وعرضَ المجتمعون لكل السيناريوهات المطروحة المتعلقة بالملف الرئاسي والاحتمالات القائمة. وقالت مصادر المجتمعين «أنْ ليس لدى جنبلاط نيّة صدامية أو خلافية مع أحد، فهو رحّب بالاتفاق العوني ـ القواتي وتريّثَ في اتخاذ الموقف النهائي وشاءَ مِن خلال تمسّكه بترشيح حلو التذكيرَ في الوقت نفسه بوجوب إبقاء مكان للمعتدلين في البلد».

بدورها، أكّدت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» «أنّ موقف جنبلاط يعبّر عن رغبته في تأجيل إعلان أيّ موقف من التطورات التي تلَت ترشيح عون في انتظار مزيد من المعطيات التي لم توفّرها الإتصالات التي أجراها على أكثر من مستوى في الداخل والخارج، وبالنظر الى حجم الالتباسات التي لا يمكن ان تدفعَه الى إصدار موقف نهائي ممّا هو مطروح، ما دفَعه الى التذكير مجدّداً باستمرار ترشيح حلو الذي يوفّر له مخرجاً من اضطراره الى اتخاذ أيّ موقف لا يريده من اليوم».

حمادة

وقال عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «كلّ كلمة وردَت في البيان نحن نَعنيها ومن موقع حسن النيّة والعمل مع الآخرين لأننا لسنا وحدنا في الساحة للوصول الى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، والتذكير بالمستقلين وبالمرشح هنري حلو هو لإعطائهم حقَّهم ايضاً في هذه المبارزة الديموقراطية».

وهل سيشارك «اللقاء الديموقراطي» في جلسة 8 شباط؟ أجاب حمادة: «نحن نشارك دائماً، وكما قلنا اجتماعاتُنا متواصلة وكذلك اتصالاتُنا مع الجميع، لأننا لسنا وحدنا على الساحة، ولسنا وحدنا من يؤمّن النصاب، فتأمينُه يحتاج الى نيّات حسنة من جهات عدة».

عون وجعجع

ولاقى موقف «اللقاء الديموقراطي» أصداءه سريعاً في الرابية ومعراب، فاتّصل عون بجنبلاط شاكراً، وثمّنَ جعجع هذا الموقف قائلاً: «إنّ جنبلاط» ميثاقيٌ بطبعه، وفي كلّ الفترات أبدى حِرصاً كبيراً على العيش المشترك، تجَلّى أكثر ما يكون في مصالحة الجبل الشهيرة».

«الكتائب»

في هذا الوقت، يعلن رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل موقفَ الحزب من تطورات الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مؤتمر صحافي يعقده السادسة مساء اليوم في بكفيا، ودعَت الأمانة العامة للحزب أعضاء المكتب السياسي والمجلس المركزي الى حضوره. وقالت مصادر واكبَت تحضيرات المؤتمر إنّه سيكون مناسبة لشرحِ موقف الحزب من التطورات الأخيرة، خصوصاً موجة الترشيحات التي أعادت الإستحقاق الى مربّع متأخّر بعدما تبينَ انّ معظم الأطراف لن تقول كلمتها الفصل في ما هو مطروح من مبادرات جعلت الطريق الى ملء الشغور الرئاسي بعيدة أكثر من ايّ وقت مضى».

ولفتَت الى انّ الجميّل «لن يدخل في الأسماء ولن يُلزم الحزب بغير ما التزمَ به من مبادئ وثوابت باتت واضحة وسَبق له ان عبّر عنها في محطات مشابهة، ولا سيّما تلك التي رافقت التفكير بترشيح فرنجية».

هولاند

وسط هذا المشهد، أسفَت فرنسا للفراغ الرئاسي في لبنان محذّرةً من خطورة استمراره، ودعَت ايران والسعودية الى المساهمة في إيجاد الحل.
وكشفَ الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في كلمته أمام أعضاء السلك الديبلوماسي في الأليزيه، أنّه «ينوي القيام بجولة تشمل مصر والأردن وسَلطنة عمان للبحث في أزمات المنطقة ومنها أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان».

وقال: «سأشدّد على أن يوضَع حد نهائي في لبنان لهذا الفراغ المؤسساتي المؤسِف جداً، والذي قد يكون خطيراً في المستقبل. وتعرفون مدى العلاقات التي تربط فرنسا بلبنان». وأضاف: «هنا أيضاً نحن في حاجة إلى كل دوَل المنطقة، العربية السعودية وإيران وسواهما، لكي نؤمّن معاً السلام والوحدة وسلامة التراب الوطني لهذا البلد الصديق».

وفي السياق، أعلنَ مصدر مأذون في وزارة الخارجية الفرنسية، طلب عدمَ ذِكر إسمه، «أنّ موقف فرنسا واضح وثابت في الدعوة الى حل سريع للجمود السياسي والمؤسساتي في لبنان، وفي مقدّمِه الفراغ الرئاسي، وفرنسا لا تؤيّد أيّ مرشّح بنحو خاص». وأضاف المصدر: «فرنسا ستساند كلّ الإجراءات الكفيلة بضمان أمن لبنان وصونِه من تداعيات الأزمة السورية».

وختمَ: «نشجّع اللبنانيين على اعتماد حلّ سياسي جامع يضمن وحدة البلد واستقراره واستقلالية مؤسساتِه والحفاظ على سياسة النأي بالنفس حيال الأزمة السورية. ونَبقى على اتصال مع جميع الأفرقاء اللبنانيين ومع شركائنا الإقليميين».

جولة بون

وكان السفير الفرنسي إيمانويل بون تنقّلَ أمس بين الرابية ومعراب وبكفيا، فالتقى عون والجميّل، وعرضَ مع جعجع لساعتين الأوضاع السياسية والتطورات الراهنة، وفي طليعتها ملف رئاسة الجمهورية في ضوء ترشيحه لعون.

وقالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» إنّ جولة بون رُتَبت على عجَل بنحو تكون شاملة على أكثرية القيادات المعنية بالتطورات في لبنان والاستحقاق الرئاسي لإعداد تقرير مفصّل تُعِدّه الدوائر المختصة في السفارة لرفعِه على عجَل الى الإدارة الفرنسية، تحضيراً للقمّة الفرنسية ـ الإيرانية المقرّرة الأسبوع المقبل، في اعتبار أنّ ملف لبنان سيكون من أبرز الملفات التي يعيطها هولاند أهمّية خاصة في المحادثات المنتظَرة الأسبوع المقبل.

الراعي

إلى ذلك، وصَل الراعي الى روما حيث يلتقي غداً قداسة البابا فرنسيس ليعرض عليه التطورات الأخيرة بشأن رئاسة الجمهورية وأجواء المصالحة المسيحية بعد «إتفاق معراب» الأخير والآفاق التي فتحَها أمام الاستحقاق الرئاسي.

وكان الراعي سُئل قبَيل سفره عن صحة المعلومات عن لقاء مرتقَب له في روما مع كل مِن الحريري وفرنجية، فأوضَح أنّه التقى فرنجية منذ يومين، ولم يطلِعه على نيّتِه السفر إلى إيطاليا، ولا علمَ له بأنّه سيذهب إلى هناك حتى الآن. وأشار ألى أنْ لا اتّصال بينه وبين الحريري منذ نحو الشهر.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق